الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة **
يبدو أن أول صوفي وضع نظام الطرق الصوفية هو الصوفي الإيراني محمد أحمد الميهمي المتوفي سنة 430هـ والمعروف باسم أبي سعيد. فقد أقام في بلدته نظامًا للدراويش، وبنى خانًا بجوار منزله للصوفية، وجعل نظام تسلسل الطريق عن طريق الوراثية، ويبدو كذلك أنه من أوائل من كتب في طريقة التربية الصوفية وهو سابق على عبدالكريم القشيري صاحب الرسالة القشيرية والتي كتب فيها صاحبها أيضًا طائفة كبيرة من طرق التربية الصوفية والقشيري توفي سنة 465هـ وكان مولده سنة 376هـ وأما مولد أبي سعيد فقد كان في سنة 357هـ فهو أكبر من القشيري وأقدم. وقد قيل إنه اتصل بعبدالرحمن السلمي، صاحب كتاب الطبقات، وأخذ عنه الحرقة الأولى، واتصل كذلك بأبي العباس القصاب وأخذ عنه الحرقة الثانية. وقد انتشر بعد ذلك في القرنين الخامس والسادس الهجريين نظام الطرق الصوفية وانتقلت من إيران إلى المشرق العربي فظهرت الرفاعية والقادرية في العراق، والأحمدية والشاذلية في مصر، ثم ظهرت بعد ذلك الدسوقية في مصر أيضًا، ثم تتابع ظهور الطرق الجديدة وكذلك الطرق المتفرعة من طرق قديمة حتى أصبحت الطرق تعد بالآلاف. وغالبًا ما تسمى الطريقة باسم مؤسسها، وأحيانًا تسمى باسم خاص (كالختمية) مثلًا (والزوامة) نسبة إلى الزم لأن ذكرهم (بالزوم) (وهي كلمة عامة مصرية معناه إخراج صوت معروف يخرج من الأنف والفم مقفول بعد الميم). الطريقة الصوفية تعني أولًا النسبة إلى شيخ يزعم لنفسه الترقي في ميادين التصوف والوصول إلى رتبة الشيخ المربي. ويدعي لنفسه بالطبع رتبة صوفية من مراتب الأولياء عند الصوفية كالقطب والغوث والوتد والبدل.. إلخ. ولا بد أن يكون من أهل الكرامات والمكاشفات، ويكون له بالطبع ذكر خاص به، يزعم كل واحد منهم أنه تلقاه من الغيب إما من الله رأسًا، أو نزل منه سبحانه مكتوبًا، أو من الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في اليقظة أو في المنام، أو من الخضر عليه السلام.. المهم لا بد أن يكون له ذكر خاص ينفرد به عن سائر الطرق، ولا بد أن يكون لهذا الذكر الخاص ميزة خاصة وفضل خاص أكبر من الموجود في القرآن والسنة، وأفضل مما عند الطرق الأخرى وهذا بالطبع لجلب (الزبائن) لهذا الطريق الخاص. ثم لا بد أن يكون لكل طريق مشاعر خاصة فلون العلم والخرقة لون مميز، وطريقة الذكر الصوفي مميزة، ونظام الخلوة مميز، وهكذا؛ والطرق الحديثة غالبًا ما يتوارثها الأبناء عن الآباء وذلك أن الطريقة التي تستطيع جلب عدد كبير من المريدين والتابعين والأنصار تصبح بعد مدة يسيرة إقطاعية دينية عظيمة تفد الوفود إلى رئيسها (شيخها) من كل ناحية، وتأتيه الإتاوات والصدقات والهبات والبركات من كل حدب وصوب وحيثما حل الشيخ في مكان ذبحت الطيور والخرفان وأقيمت الموائد الحسان، ولذلك فإن أصحاب هذه الطرق يقاتلون اليوم عنها بالسيف والسنان. وعامة الذين يؤسسون الطرق بل جميعهم يصلون نسبهم بالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويجعلون أنفسهم من آل بيته. 1ـ تنسب الطريقة التجانية إلى أحمد بن محمد بن المختار التجاني المولود سنة 1150هـ 1737م ونسبته إلى بلدة تسمى (بني توجين) قرية من قرى البربر في المغرب، وينسب نفسه إلى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما عادة كل من أسس طريقة صوفية. سار أولًا في الطريقة (الخلوتية). 2ـ ثم أسس طريقة لنفسه سماها باسمه بعد أن استقر في مدينة فاس بالمغرب وبنى فيها زاوية لمريديه. ويقول صاحب كشف الحجاب عن هذه الزاوية "كانت خربة متهدمة من ملك أولاد أفومي وكانت فيها كرمة كبيرة وكانت تلك الخربة مهيبة لا يقدر أحد أن يدخلها وحده، وقد بلغني على لسان الثقة أنه كان يسمع فيها بعض الأحيان كأن جماعة يذكرون فيها وكان يقصدها غالب مجاذيب فاس" ا.هـ.. ولم يترك التجاني هذا أي علم ينتفع به ولكن جمع له تلميذ من تلاميذه يسمى علي حرازم كتابًا سماه (جواهر المعاني وبلوغ الأماني في فيض سيدي أبي العباس التجاني).. والكتاب كله في فضل سيده وكراماته وأخلاقه وشمائله وأذكاره وأحواله وطريقته، وإشاراته القرآنية وعلومه اللدنية.. 3ـ ولم يترك التجاني هذا بدعة قديمة للتصوف إلا ابتدعها ولا فضلًا مزعومًا ادعاه شيخ صوفي لنفسه إلا ادعاه هو لنفسه وزاد عليه. فقد ادعى أنه هو خاتم الأولياء جميعًا والغوث الأكبر في حياته وبعد مماته، وأن أرواح الأولياء منذ آدم إلى آخر ولي لا يأتيها الفتح والعلم الرباني إلا بوساطته هو، وأن قدمه على رقبة كل ولي لله تعالى من خلق آدم إلى النفخ في الصور، وأنه أول من يدخل الجنة هو وأصحابه وأتباعه، وأن الله شفعه في جميع الناس الذين يعيشون في قرنه الذي عاش فيه، وأن الرسول أعطاه ذكرًا يسمى صلاة الفاتح يفضل أي ذكر قرئ في الأرض ستين ألف مرة بما في ذلك القرآن الكريم، وهاك بعض النصوص من كتب التجانية لكل هذه الأمور. أـ إيمانهم بوحدة الوجود وأن كل الأديان حق: قال أحمد بن حرازم، مؤلف جواهر المعاني، وهو أشهر كتاب عندهم كما مر آنفًا: ".. فكل عابد أو ساجد لغير الله في الظاهر فما عبد ولا سجد إلا لله تعالى لأنه هو المتجلي في تلك الألباس، وتلك المعبودات كلها تسجد لله تعالى وتعبده وتسبحه خائفة من سطوة جلاله سبحانه وتعالى، ولو أنها برزت لعبادة الخلق وبرزت لها بدون تجلية فيها لتحطمت في أسرع من طرفة العين لغيرته تعالى لنسبة الألوهية إلى غيره قال سبحانه وتعالى لكليمه موسى: وقال أيضًا: ".. إن جميع المخلوقات مراتب للحق يجب التسليم له في حكمه وفي كل ما أقام خلقه لا يعارض في شيء ثم حكم الشرع من وراء هذا يتصرف فيه ظاهرًا لا باطنًا لا يكون هذا إلا لمن عرف وحدة الوجود فيشاهد فيها الوصل والفصل، فإن وجود عين واحدة لا تجرؤ فيها على كثرة أجناسها وأنواعها ووحدتها لا تخرجها عن افتراق أشخاصها بالأحكام. والخواص وهي المعبر عنها عند العارفين أن الكثرة عين الوحدة والوحدة عين الكثرة فمن نظر إلى كثرة الوجود وافتراق أجزائه نظر عينًا واحدة على كثرته، ومن نظر إلى عين الوحدة نظرة متكثر بما لا غاية له من الكثرة، وهذا النظر للعارف فقط لا غيره من أصحاب الحجاب وهذا لمن عاين الوحدة ذوقًا لا رسمًا وهذا خارجًا عن القال.." (جواهر المعاني ص92 ج2). ب ـ تفضيلهم ما يسمونه بصلاة الفاتح على القرآن الكريم: ومن أعظم جرائمهم أيضًا وأكبر مفترياتهم ابتداعهم وتفضيلهم ذكرًا مبتدعًا سيء المعنى ركيك العبارة، على كل ذكر قرئ في الأرض، وجعلهم قراءته أفضل من قراءة القرآن الكريم ستين ألف مرة وهو لا يعدو ثلاثة أسطر وهذا الذكر المبتدع هو: "اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق، الهادي إلى صراطك المستقيم، وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم".. ا.هـ. (أحزاب وأوراد التجاني تحقيق محمد الحافظ). ولا يخفى على عالم بالعربية ركاكة لفظ هذه الصلاة وما فيها من المجاهيل فما هو الذي أغلق وفتحه الرسول.. وما هو الذي سبق؟! وكيف يكون هذان السطران أفضل من القرآن الكريم المعجز..؟ ولا عجب في هذا الكذب فقد زعموا أيضًا أنها نزلت من السماء. فقد قال الفوطي مؤلف كتاب (رماح حزب الرحيم): "ويجب أن يعتقد الذاكر أنها من كلام الله" (رماح حزب الرحيم ج2 ص139)، وقال مؤلف كتاب (الدرة الخريدة): "ويعتقد المصلي أنها في صحيفة من نور أنزلت بأقلام قدرة إلهية وليست من تأليف زيد ولا عمرو بل هي من كلامه سبحانه وتعالى" (الدرة الخريدة ج4 ص128)، وقال صاحب الجواهر أيضًا: ".. إنها لم تكن من تأليف البكري ولكنه توجه إلى الله مدة طويلة أن يمنحه صلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيها ثواب جميع الصلوات وسر جميع الصلوات وطال طلبه مدة ثم أجاب الله دعوته فأتاه الملك بهذه الصلاة المكتوبة في صحيفة النور ثم قال الشيخ فلما تأملت هذه الصلاة وجدتها مكتوبة في صحيفة من النور ثم قال الشيخ فلما تأملت هذه الصلاة وجدتها لا تزنها عبادة جميع الجن والإنس والملائكة قال الشيخ وقد أخبرني ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ثواب الاسم الأعظم فقلت: إنها أكثر منه فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ بل هو أعظم منها ولا تقوم له عبادة" (الجواهر ص96) ا.هـ.. وقال في بيان فضلها: "وأما فضل صلاة الفاتح لما أغلق إلخ.. فقد سمعت شيخنا يقول كنت مشتغلًا بذكر صلاة الفاتح لما أغلق حين رجعت من الحج إلى تلمسان لما رأيت من فضلها وهو أن المرة الواحدة بستمائة ألف صلاة كما هو في وردة الجيوب. وقد ذكر صاحب الوردة أن صاحبها سيدي محمد البكري الصديقي نزيل مصر وكان قطبًا. قال إن من ذكرها ولم يدخل الجنة فليقبض صاحبها عند الله، وبقيت أذكرها إلى أن رحلت من تلمسان إلى أبي سمعون فلما رأيت الصلاة التي فيها المرة الواحدة بسبعين ألف ختمة من دلائل الخيرات تركت الفاتح لما أغلق واشتغلت بها وهي (اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله صلاة تعدل جميع صلوات أهل محبتك وسلم على سيدنا محمد وعلى آله سلامًا يعدل سلامهم) ولما رأيت فيها من كثرة الفضل ثم أمرني بالرجوع ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى صلاة الفاتح لما أغلق فلما أمرني بالرجوع إليها سألته ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن فضلها فأخبرني أولًا بأن المرة الواحدة منها تعدل من القرآن ست مرات، ثم أخبرني ثانيًا أن المرة الواحدة منها تعدل من كل تسبيح وقع في الكون ومن كل ذكر ومن كل دعاء كبير أو صغير ومن القرآن ستة آلاف مرة لأنه من الأذكار.." (جواهر المعاني ج1 ص94) ا.هـ.. وقلت: ولا يخفى ما في هذا من الكذب والتلفيق، ولا يخفى أيضًا أن تصديق مثل هذه الترهات تكذيب لله ولرسوله فقد قال تعالى ولا غرو فقد فضل التجاني هذا نفسه على جميع الصحابة والتابعين وجميع الأمة أجمعين وادعى الولاية العظمى والغوثية وختم الأولياء (انظر الفصل الخاص بخاتم الأولياء). وادعى التجاني ما لم يعطه الله لرسوله من الشفاعة من أن من رآه دخل الجنة ولو كان كافرًا، وأن جميع آبائه وأمهاته في الجنة، وجميع أتباعه. قال صاحب الرماح: ".. وليس لأحد من الرجال أن يدخل أصحابه كافة الجنة بغير حساب ولا عقاب ولو عملوا من الذنوب ما عملوا وبلغوا من المعاصي ما بلغوا إلا أنا وحدي، ووراء ذلك ما ذكر لي فيهم وضمنه لهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر لا يحل ذكره ولا يرى ولا يعرف إلا في الآخرة.." (رماح حزب الرحيم ص143 ج2) ا.هـ.. وقال مؤلف الجواهر: "اطلعت على ما رسمه وخطه ونصه.. أسأل من فضل سيدنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يضمن دخول الجنة بلا حساب ولا عقاب في أول الزمرة الأولى، أنا وكل أب وأم ولدوني من أبوي إلى أول أب وأم لي في الإسلام من جهة ومن جهة أمي، من كل ما تناسل منهم من وقتهم إلى أن يموت سيدنا عيسى بن مريم من جميع الذكور والإناث. وكل من أحسن إلي بإحسان حسي أو معنوي من مثقال ذرة فأكثر.. فكل من لم يعادني من جميع هؤلاء. أما من عاداني وأبغضني فلا، وكل من والاني واتخذني شيخًا أو أخذ عني ذكرًا، وكل من خدمني أو قضى لي حاجة.. وآباؤهم وأمهاتهم وأولادهم وبناتهم وأزواجهم.. يضمن لي سيدنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولجميع هؤلاء أن يموت كل حي منهم على الإيمان والإسلام.. ثم قال كل ما في هذا الكتاب ضمنته لك ضمانة لا تتخلف عنك وعنهم أبدًا، إلى أن تكون أنت وجميع من ذكرت في جواري في عليين. وضمنت لك جميع ما طلبته منا ضمانًا لا يخلف عليك الوعد فيها والسلام.. ثم قال: وكل هذا واقع يقظة لا منامًا" (جواهر المعاني ج21 ص130،131). قلت: لم أجد في حياتي كذبًا أسمج، ولا وقاحة، ولا تقولًا على الله ورسالاته أكبر من ذلك.. فماذا كان عند هذا الوقح من دين وإسلام حتى يضمن الرسول له ذلك، وهذا الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي يقول [والله إني لرسول الله لا أدري ما يفعل بي غدًا] (رواه البخاري)، والذي يقول الله تبارك وتعالى له: فيأتي هذا الكذب ليفتري على الله أمثال هذه الافتراءات ويأبى الله إلا أن يكذبه فيكون أتباعه وأولاده أفضل خدم للكفر والاستعمار.. وقال أيضًا مؤكدًا هذه المزاعم: "وسألته ـ صلى الله عليه وسلم ـ لكل من أخذ عني وردًا أن تغفر لهم جميع ذنوبهم ما تقدم منها وما تأخر، تؤدي عنهم تبعاتهم من خزائن فضل الله لا من حسناتهم، وأن يدفع الله عنهم محاسبته على كل، وأن يكونوا آمنين من عذاب الله من الموت إلى دخول الجنة بلا حساب ولا عقاب في أول الزمرة الأولى، وأن يكونوا معي في عليين في جوار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ضمنت لك هذا ضمانًا لا ينقطع حتى تجاورني أنت وهم في عليين" (الجيش الكفيل بأخذ الثأر ص214،215) ا.هـ.. فانظر أي أخلاق يكون عليها الذين يدعون مجاورة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في عليين. ولم يكتف التجاني بهذا أيضًا فقد زعم كذلك أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يفارقه يومي الاثنين والجمعة من كل أسبوع، وأن مع الرسول سبعة أملاك وكل من رأى التجاني في هذين اليومين، تكتب الملائكة اسمه في رقعة من الذهب ويكون ناجيًا أبدًا ومن أهل السعادة حتى ولو كان كافرًا عند مشاهدته للتجاني فإنه لا بد أن يموت على الإسلام، وأن هذا كرامة من الله له. قال صاحب بغية المستفيد شرح منية المريد (هو محمد العربي السائع العمري التجاني وكتابه شرح لمنية المريد وهي من تأليف أحمد التجاني بن بابا الشنقيطي العلوي (التجانية تأليف علي بن محمد بن الدخيل الله ص76)): "وأما الكرامة الثالثة وهي دخول الجنة لمن رآه ـ رضي الله عنه ـ في اليومين الاثنين والجمعة، فهي من كراماته ـ رضي الله عنه ـ التي طارت بها الركبان وتواترت بها الأخبار في سائر الأقطار والبلدان، بأخبار من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولفظه الشريف فيما أخبر به سيدنا ـ رضي الله عنه ـ بعزة ربي، يوم الاثنين والجمعة لا أفارقك فيهما من الفجر إلى الغروب ومعي سبعة أملاك، وكل من يراك في اليومين يكتبون ـ يعني الأملاك السبعةـ اسمه في رقعة من ذهب ويكتبونه من أجل الجنة وأنا شاهد على ذلك" (بغية المستفيد ص216). وقال أيضًا: "ورأيت في كلام بعض من كان مشارًا إليه بالفتح من الأصحاب ما يشير إلى أن المختص برئيه في اليومين هو السعادة التي لا شقاوة بعدها يعني أنه لا يراه في هذين اليومين إلا من سبق في علم الله تعالى أن يكون سعيدًا، فيدخل الكفار في هذا الخطاب، وينسحب عليهم الحكم في هذا المقام بفضل الملك الوهاب فيقال لا يراه في هذين اليومين إلا من يسبق في علم الله تعالى أنه يختم له بالسعادة كائنًا من كان، فإذا رآه الكافر في أحد هذين اليومين ختم له بالإيمان وعليه فتخصص الرؤية المطلقة في كل يوم بمن كان مسلمًا سواء كان من الأصحاب أو لا حسبما هو مصرح به في الجواهر وهذه المقيدة باليومين بما يشمل كل من رآه ولو كان كافرًا" (بغية المستفيد ص275) ا.هـ.. وهذا الذي ادعاه التجاني لنفسه لم يحصل لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فمعلوم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رآه آلاف الناس من الكفار في كل أيام الأسبوع ومع ذلك فقد ماتوا على الكفر والشرك بل كان هناك معه من الذين صحبوه، وجاهدوا وصلوا معه، منافقون مردوا على النفاق، بل كان منهم من قال الله له في شأنهم وكذلك كان من أصحابه أناس يعرفهم الرسول ويعرفونه ويوم القيامة يؤخذ بهم جهة النار ويطردون عن حوضه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيقول للملائكة أصحابي أصحابي فيقولون: ليسوا أصحابك إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك. (رواه البخاري ومسلم). فإذا كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا شأنه فيمن رآه، وهذا شأنه مع أصحابه فماذا يكون زعم التجاني إلا أنه كذب سمج وقح.. ووالله إني لا أرى الرد على أمثال هذه الترهات ولكننا مضطرون أحيانًا أن نذكر بالآيات والأحاديث وموازين الدين وقواعد الشريعة لأن بعض الناس قد يسمعون بمثل هذه السخافات ولا يستطيعون التمييز بين النبي الصادق والدعي الكذاب وبين عقيدة الإسلام الطيبة وعقائد الزنادقة ولذلك فإننا نضطر أحيانًا أن نقابل هذا الهراء الذي لا ينطلي حتى على الصبيان والمجانين بالآيات والأحاديث فاللهم معذرة أن نخاطب بكلامك الطيب وبكلام رسولك الصادق الأمين أمثال هؤلاء الكاذبين الزنادقة. ومن خرافات التجانية أيضًا وافتراءاتهم زعمهم رؤية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دائمًا، وحضوره وحاشاه ـ صلى الله عليه وسلم ـ مجالس ذكرهم المبتدعة وهذه أقوالهم في ذلك: 1ـ قال في جواهر المعاني: "قال ـ رضي الله عنه ـ: أخبرني سيد الوجود يقظة لا منامًا قال لي: أنت من الآمنين، ومن رآك من الآمنين إن مات على الإيمان.." (جواهر المعاني ج1 ص129). 2ـ وقال أيضًا: ".. سأل سيد الوجود، وعلم الشهود، ـ صلى الله عليه وسلم ـ في كل نفس مشهود، عن نسبه وهل هو من الأبناء والأولاد، أو من الآل والأحفاد، فأجابه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله: (أنت ولدي حقًا) كررها ثلاثًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال نسبك إلى الحسن بن علي صحيح. وهذا السؤال من سيدنا ـ رضي الله عنه ـ لسيد الوجود يقظة لا منامًا، وبشر ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأمور عظام جسام ـ صلى الله عليه وسلم ـ وشرف وكرر ومجد وعظم" (جواهر المعاني ج2 ص228). 3ـ وقال أيضًا عن الصلاة المسماة بياقوتة الحقائق: "هي من إملاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من لفظه الشريف على شيخنا يقظة لا منامًا" (جواهر المعاني ج1 ص30،31). 4ـ وقال أيضًا فيما يرويه عن شيخه التجاني: "قال رأيته مرة ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسألته عن الحديث الوارد في سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام. قلت له: ورد عنك روايتان صحيحتان واحدة قلت فيها يمكث بعد نزوله أربعين، وقلت في الأخرى سبعًا.. ما الصحيحة منها؟ قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: رواية السبع" (جواهر المعاني ج1 ص50). وهذا الذي يزعم التجاني أنه استفاد من الرسول في اليقظة. بشأن ترجيح (رواية سبعة أيام على أربعين يومًا) قد سرقه التجاني من كتاب الإبريز للدباغ فهناك قد زعم الدباغ أيضًا أنه استفاد هذا من الرسول.. وقد كان هذا الشأن التجاني دائمًا.. كلما سمع أن أحدًا سبقه من رجال التصوف في قول أو نحوه قال نحوه وزاد؛ كما سمع أو قرأ أن عبدالقادر الجيلاني قال عن نفسه قدماي هاتان على رقبة كل ولي لله.. فقال التجاني وأما أنا فأقول قدماي هاتان على رقبة كل ولي لله من خلق آدم إلى النفخ في الصور.. وسمع أو قرأ أن ابن عربي قال إنه خاتم الأولياء فقال بل أنا خاتم الأولياء وهكذا فقد ردد معظم الكذب الذي سبقه به شياطين التصوف القدامى وزاد عليهم. ونعود فنقول إن التجانية لم يجعلوا رؤية الرسول في اليقظة خاصة بالتجاني بل جعلوها بكل من زعموا أنه بلغ درجة العرفان في زعمهم وهاك بعض نصوصهم في ذلك: 1ـ قال في رماح حزب الرحيم: "ولا يكمل العبد في مقام العرفان حتى يصير يجتمع برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقظة ومشافهة.. إلخ" (الرماح ص199 ج1). 2ـ وقال في بغية المستفيد: ".. منهم من يرى روحه في اليقظة متشكلة بصورته الشري فة، ومنهم من يرى حقيقة ذاته الشريفة وكأنه معه في حياته ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهؤلاء هم أهل المقام الأعلى في رؤيته ـ صلى الله عليه وسلم ـ" ا.هـ. (بقية المستفيد ص79،80). * وهذا هو الذي نبهنا عليه في أول الكتاب أن المفترق الأول بين دين الإسلام ودين التصوف هو الافتراق في التلقي بينما يتلقى المسلمون دينهم بعد وفاة الرسول من الكتاب والسنة وإجماع الأمة فقط هذا هو المعصوم ثم من اجتهاد الأئمة المعرض للصواب والخطأ، أقول بينما يفعل المسلمون ذلك، فإن المتصوفة يجعلون تلقيهم للدين من كل هب ودب ممن يزعم ملاقاة الرسول وهذا كذب بإجماع الأمة. أو ملاقاة الخضر وهذا كذب وافتراء بين فلم يتعبدنا الله بخضر أو بغيره أو ممن يزعم رؤية الملائكة وسماع دينهم أو ممن يزعم تلقي الدين من اللوح المحفوظ رأسًا وممن يتجاوز كل ذلك فيقول حدثني قلبي عن ربي.. أو من يقول يأتيني كلام الله مكتوبًا في ألواح من نور.. فكل مشايخ التصوف رسل وأنبياء ومشرعون ومتلقون للدين من طرق أخرى غير طريق المسلمين وبهذا تتأكد أن دين هؤلاء حتمًا ليس بدين المسلمين.. وأنهم يفترقون عن المسلمين في الأصل الأصيل وهو مصدر الدين. ولو فرضنا جدلًا أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يمكن أن يعود بجسده الشريف أو روحه الطاهر ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليلقى بعض المسلمين فإننا نجزم أن لقاءه هذا سيكون لتعزيز شريعته التي بثها في حياته لا لهدمها، فنتصور مثلًا في مثل التجاني أن يقول لا تكن أنت وأتباعك عبيدًا للاستعمار الفرنسي ولا خدمًا للكفار، وقوموا بنصرة الدين، وجاهدوا في سبيل الله وأما أن يأتي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليقول للتجاني أقطعتك الجنة وأتباعك ولو كانوا مجرمين فاسقين وكل من رآك دخل الجنة ولو كان كافرًا، وأمر أتباعك أن يدعوك من دون الله ويشركوا بالله في كل شيء. يأتي بآخر فيقطعه قطعة من الجنة ويؤمنه من العذاب ويقول لا حرج عليك وعلى أتباعك واعمل مولدًا لنفسك ومولدًا لي تستباح فيه الحرمات وتهتك فيه الأعراض ولا حرج عليك من ذلك لأن كل ذنوب أصحابك أنا أغفرها لكم.. هذه هي المهمة التي بقيت لرسول الله في الأرض.. يا سبحان الله كم يكذب هؤلاء على الله وعلى رسوله وهم لا يستحون.
|